صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط – إيطاليا، رواية جديدة للروائي المغربي والأديب محمد الأشعري، الحاصل على الجائزة العالمية للرواية العربية؛ حملت عنوان "العين القديمة". وتدور أحداث الرواية بين حياةٍ واقعية وأخرى متخيَّلة، من القهر في قريةٍ صغيرة، إلى حياةٍ جديدة في الدَّار البيضاء، ثُمَّ الهجرة والتصالح مع العالم، فالعودة إلى "كَازَا" التي لا يُشفى منها أحد. بطل الرواية مسعود، رجلٌ ستِّيني، تنتابه رغبةٌ مفاجئة في القتل، تدفعه إلى ذلك رغباتٌ أخرى متناقضة، وخساراتٌ مجيدة عبر عقودٍ من الزَّمن. وهو في جلساته إلى طبيبه النَّفسي، أو في حديثهِ إلى صديقه "الآخر"، أو ابنته منى، وقبلها شريكته هيلين؛ يكشفُ أسرارَ حياةٍ بأكملها، لها أن تكونَ مجرَّد سلسلةٍ من الأوهام، والذِّكريات المُتلاحقة، التي تغدو جزءًا من المستقبل، تُطاردهُ كلعناتٍ لا تنتهي
خوفٌ وندمٌ وسوءُ ظنٍّ وفسادٌ ورغبةٌ في القتلِ وانتقامٌ من ماضٍ قاتم، هكذا يسرد الكاتبُ حياة مسعود التي تتشابك ومدينته، اليساري غير الفاعل، القادم من ثورة 68 بباريس، وبدايات السبعينيات، الأب الهادئ، البطيء، الذي يقدِّس السهولة، لكنَّه لا يتردَّد في إطلاق صرختهِ كعصفورٍ كُسرت جناحه منذ أمد بعيد.
رواية "العين القديمة" رواية جيل كامل أصيبَ بالعطب، ولم يستطع ملامسة أحلامٍ كانت أكبر منه.
من الرواية:
... في تلك الزيارة التي انتزعتْها منه هيلين انتزاعاً، لم يكن مسعود قادراً على تذكُّر الأمكنة ولا الأشخاص .. كان فقط يعرف أن الطريق المعبَّدة تصل إلى السوق، ومن السوق يبدأ الممشى الجبلي، تحفّ به أشجار غامقة ... ثمّ يصل الممشى إلى الوادي، هناك دورٌ على الضّفّة الأولى، وفي الضّفّة الثانية يوجد الجامع، أو العكس، لم يعد يعرف، في مكان ما كانت شجرة وارفة تُظلّل صخرة ضخمة، وخلف الصخرة أحراش، وعينٌ لها صوت. والمفروض أن لا يكون لها صوت. ولكن الماء ينزل من جنباتها إلى ساقية مرصّعة بأحجار الوادي، فينشأ من ذلك تغريد رتيب. هذا كله كان موجوداً في عين المكان، ولكنه لم يكن مطابقاً تماماً لما يتذكّره، أو لما طواه النسيان .. إلا الصوت، فقد كان نصلاً بارداً يخترق جسده، منذ سمعه لأوّل مرّة طفلاً في السادسة، حتّى اليوم، وهو يجلس فوق الصخرة التي تُظلِّلها الشجرة، وينظر بعينَيْن زائِغَتَيْن إلى الطفلين يدخلان إلى أحراش العين ...
محمد الأشعري:
شاعر وروائي مغربي، ولد في زرهون المغرب سنة 1951، بدأ نشر قصائده في مطلع السبعينات وصدر ديوانه الأول "صهيل الخيل الجريحة" سنة 1978. ومنذ ذلك الحين صدر له العديد من الكتب الشعرية وترجم منها إلى لغات عديدة. ترأّس اتحاد كتّاب المغرب، وعمل في الصحافة وترأس تحرير عدد من الملاحق والمجلات الثقافية.
انخرط في العمل السياسي والنقابي، وخاض التجربة الانتخابية التي قادته إلى البرلمان ثم إلى الحكومة ليصبح وزيراً للثقافة والاتصال من سنة 1998 إلى 2007.
نشر مجموعة قصصية بعنوان "يوم صعب"، وأربع روايات هي "جنوب الروح" و"القوس والفراشة" التي فازت بالجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر 2011)، وترجمت إلى عدة لغات، ثم "علبة الأسماء" وأخيراً "ثلاث ليال".
يعيش في الرباط متفرغاً للكتابة الأدبية والصحفية.